"
أناشد أخوانى - لله و للمصلحه العامه – أن يكون كل منهم عونا على تحقيق استتباب
الأمن و استقرار النظام وأن ينصرفوا الى اعمالهم و يبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع
استقرار الأمن و شمول الطمأنينه حتى يؤدوا بذلك حق الله و حق الوطن " حسن
البنا - 11 يناير 1949 قبل أغتياله بشهر
"أعلن منذ اليوم أن اى حادث يقع من اى فرد سبق له
اتصال بجماعة الأخوان موجها الى شخصى و لا يسعنى الا ان اقدم نفسى للقصاص و اطلب
من جهات الأختصاص تجريدى من جنسيتى المصريه التى لا يستحقها الا الشرفاء الأبرياء
, فهؤلاء ليسوا أخوانا و ليسوا مسلمين " حسن البنا - فبراير 1949 قبل أغتياله
بساعات
فى ليلة حالكة الظلام من ليالى شتاء القاهره و فى فبراير
من عام 1949 بشارع الملكه نازلى "رمسيس حاليا" , كان يقف المرشد حسن
البنا و بداخله صراع رهيب , حياته تمتد امام عينيه بصوره غريبه , صور متلاحقه تسبب
له التشوش و انعدام الرؤيه , ما الذى انتهيت اليه ؟ اين الدعوه .. اين الشباب
المؤمن المتسامح .. هل اعمانى حلم الاماره و الخلافه و حب الزعامه عن الأسلام
الحقيقى .. الشارع يسوده الظلام و البرد و الهدوء , حتى اخترق هذا الصمت دوى سبع
طلقات رصاص كان نصيب حسن الساعاتى مرشد الاخوان منها سته رصاصات .. و امتلأ الشارع
الهادئ بدماء أول مرشد لجماعة الأخوان ....
قرر البنا عام 1939 ان يأخذ خطوه خطيره لها من الحسابات
و التقديرات ما عجز البنا عن استيعابها , تكوين "النظام الخاص" , تنظيم
مسلح سرى منبثق من جماعة الأخوان و يختار افراده بعنايه فائقه من الشباب المنضمين
لفرق الجواله الأخوانيه , يختار منهم من يجد فيه المرشد و مساعدوه القدره على ان
يكون عبدا مطيعا للنظام , لا يناقش و لا يجادل , فدائى و متهور , لائقا من الناحيه
البدنيه بحكم وجوده فى فريق الجواله , فينضم هذا الشاب الى اسره مكونه من خمس افراد
و يقسم بالبيعه على الطريقه الماسونيه الشهيره , غرفه مظلمه و شخص لا يرى وجهه و
المصحف و السلاح على المنضده , و يقسم بالولاء و يبايعهم بدمه على السمع و الطاعه.
تولى هذه المهمه بصوره اساسيه عبد الرحمن السندى , هذه
الشخصيه الجدليه التى كانت و لا زالت مثار اختلاف و تباين فى الاراء , فهناك من
يراه منافسا و ندا للبنا و كثيرا ما كان يتخذ القرارات الخاصه بالنظام السرى الخاص
دون الرجوع للمرشد و هناك من رأى انه مخلصا لمرشده الساعاتى و كان يبذل الدم و
الجهد لأرضاءه حتى لو كان الثمن ازهاق ارواح و تدمير منشئات.
فى هذا نرى شيئا مذهلا يرويه اعضاء هذا التنظيم انفسهم
امثال احمد عادل كمال فى مذكراته , و هى طريقة جذب الشباب الى الجماعه و تهيئتهم و
مسح افكارهم بطريقه مثيره للشفقه , فتقرأ فى ما كتبته ايديهم كيف يكون الشاب
متوازنا من الناحيه المجتمعيه , طالبا , مثقفا , لديه من الهوايات مثل جمع الطوابع
او ممارسة الرياضه و محافظ على الصلاه و يرتاد السينما و المقاهى , فيتم اجتذابه و
يبدأ فى ترك كل ما احبه و تعود عليه و كل ما كان مخطط له ان يكون كعنصر فعال فى
مجتمعه و اسرته و بلده ليتحول الى مسخا لا دور له الا السمع و الطاعه , فالجدول
موضوع له مسبقا من صلوات و دروس و رحلات و تدريبات و ينتهى به الحال "لو كان
يصلح" الى ان يصبح اداة للقتل و الحرق و التفجير و كل هذا تحت ميثاق
"اعتقد و اتعهد" الخاص بالجماعه.
كانت الحجه الظاهره لبداية هذا التنظيم السرى الارهابى
هى نواة الجيش العربى لتحرير فلسطين , و لكن تفجير المقاهى و الأقسام و السينيمات و
القتل و الترويع كان من نصيب مصر , رغم مشاركة اعضاء هذا النظام الخاص الفعليه فى
حرب فلسطين بدور اختلف ايضا عليه الرواه ما بين اظهار بطولات غير مسبوقه و بين
السفر لفلسطين لنشر دعوة تنظيم الأخوان هناك و شراء الأسلحه دون مشاركه حقيقيه فى
الحرب كما كتب على عشماوى احد القيادات الأخوانيه فى مذكراته "التاريخ السرى
لجماعة الأخوان".
ظل حسن الساعاتى المرشد العام للجماعه مدفوعا بجنون الزعامه
و منبهرا بتطور النظام الخاص و زيادة عدده و تعاظم امكانياته دون ان يضع خانه
صغيره هامه ... "العواقب" , و مر النظام الخاص و مرشده البنا و قائده
السندى منذ عام 1939 و حتى عام 1947 بالعديد من الاحداث و الحوادث من اعتقالات و
تحالفات سياسيه و مظاهرات مؤيده و معارضه و تفجيرات و قتلى حتى جاء عام 1948 , و
الذى كان عام كشف الحساب و كشف المستور لهذا النظام الخاص و للمؤسس الأمام البنا.
كان قد تم القبض على مجموعه من شباب الأخوان المنتمين
للنظام الخاص بتهم متعدده منها تفجير "قنابل عيد الميلاد" بالمقاهى و
الحانات و التى امتدت الى بعض الاقسام البوليسيه و "تفجيرات سينما مترو"
و غيرها , و عرضت القضيه على القاضى المصرى أحمد بك الخازندار و الذى ادان أعضاء
التنظيم بالقتل و الارهاب و الترويع و عوقب بعضهم بالأشغال الشاقه المؤبده.
تلقى هذه الأحكام أمامهم و مرشدهم الساعاتى بالغضب
الشديد و قال "لو ربنا يريحنا من الخازندار و امثاله" , فأستقبل السندى
الكلمات و اعتبرها امرا واجب النفاذ و استدعى على الفور رجلين من عصابته المسماه
"النظام الخاص" و هم حسن عبد الحافظ سكرتير البنا الشخصى و محمود زينهم
, و اللذان بلا اى مناقشه و "سمعا و طاعه" للأوامر و فى مارس من عام
1948 نفذا قتل الخازندار و هو فى طريقه لعمله صباحا بحلوان.
و لأنه لم يقدر عواقب هذا النظام الخاص الدموى , فقد
استشاط البنا غضبا فور سماعه بنبأ هذه الجريمه , فهو لم يصدر امرا مباشرا بقتل
القاضى الخازندار و قرر عقد محاكمه للسندى و مساعدوه , و بكل براءه و خنوع اقر
السندى انه تلقى كلمات المرشد و كانها امر بالقتل و نفذ العمليه قاصدا ان ينال
الرضا و الحظوه عند سيدنا الأمام , و بكل عاطفيه بكى البنا لسماعه هذه الكلمات و
عفا عن السندى و أمره الا يتكرر هذا الفعل الا بأمر منه و "برر" ان قتل
الخازندار لم يقصد به قتل روح انسان بل قتل روح التبلد لدى النظام الحاكم , فهى
ليست نفس بنفس !
اى مرشد و اى امام هذا و اى دعوة تلك التى يدعون اليها ,
بل و اى مبرر الذى يبرر به قتل نفس عمدا و ترصدا , و هو نفس المنطق الذى انتهجته
الجماعه منذ هذه اللحظه و حملته كسندا و حجه لنشر الفوضى و الدم بمصر طيلة ما يزيد
عن الستين عاما حتى وقتنا هذا.
شاءت الأقدار ان ينكشف المستور عن هذا النظام الخاص و
بالصدفه فى قضية "السياره الجيب الشهيره" فى نوفمبر من العام نفسه و
التى عثر بها على مخطوطات و اوراق ادانت تنظيم جماعة الأخوان و كشفته كتنظيم
ارهابى و على اثر هذا , اصدر النقراشى باشا رئيس الوزراء و وزير الداخليه قرارا
بحل جماعة الأخوان المسلمين و مصادرة ممتلكاتها و اعتقال كل من يثبت انتسابه
اليها.
و كان رد الجماعه هو اغتيال النقراشى , و اعقبوا قتله بمحاولة
تفجير مبنى المحاكم الذى اودعت به اوراق القضيه لطمس الحقائق , و صار البنا وحيدا معزولا
محاصرا , اين الجماعه ؟ اين الدعوه ؟ اين حلم الزعامه و الخلافه ؟ لقد اصبح الأمام
و المرشد و المؤسس عدوا و هدفا للدوله التى تسبب هو فى انتشار الفوضى بها و قتل
رموزها غدرا و صار ايضا هدفا للسعديين الذين كانوا يريدون الانتقام لمقتل النقراشى
الذى كان واحدا منهم , بل و هدفا لأعضاء جماعته و نظامه الخاص بعدما تبرأ منهم و
من افعالهم و ناشدهم بالعوده لروح الدعوه الرشيده و وصفهم بأنهم ليسوا اخوانا بل و
ليسوا مسلمين اصلا.
ظل حسن البنا الساعاتى ينزف من جراء الست طلقات اللاتى
اطلقن عليه من مجهول , و بمستشفى القصر العينى لم يكن بجانبه احد الا والده الشيخ
المسن , مأذون المحموديه صاحب محل الساعاتى , و المصرى القبطى مكرم عبيد , فقط ,
بعد عشرون عاما من التجنيد و السريه و البناء , بعد المريدين و الهاتفين و
المبايعين , توقفت عقارب حياة الساعاتى , و رحل وحيدا محاصرا , قد يكون نادما او
مذهولا او فاقدا لزمام امره , لكن حسابه عند ربه حيث لا يظلم احد , مات حسن البنا
تاركا ورائه جماعه وجدت نفسها محظوره و منبوذه و هاربه , فقرروا ان يعودوا من جديد
و لكن بعد ان يرتبوا اوراقهم ليبدأوا عهدا جديدا عنوانه الانتقام و الارهاب ....
و للحديث بقيه
د.حاتم حلمى عزام
Comments[ 0 ]
إرسال تعليق